وقد كثرت في شعر المتنبي الأمثال الحكمية ونحن نقتطف منها ما يدل على عمق بصيرته ونفاذ تفكيره:
ومن جهلت نفسه قدره *** رأى غــيره منه ما لا يرى
وما كل وجه أبيض بمبارك *** ولا كل جفن ضيـق بنجـيب
ومن صحب الدنيا طويلا تكشفت *** على عينه حتى يرى صدقها كذبا
أرى كلنا يبغي الحياة لنفسه *** حريصا عليها مستهاما بها صبا
فحب الجبان النفس أورثه التقى *** وحب الشجاع النفس أورثه الحربا
ويختلف الرزقان والفعل واحد *** إلى أن يرى إحسان هذا لذا ذنبا
ومن ركب الثور بعد الجياد *** أنكــر أظلافـه والغبـب
كثير حياة المرء مثل قليلهـا *** يـزول وماضي عيشه مثل حاضر
فما الحداثة من حلم بمانعة *** قد يوجـد الحلم في الشبان والشيب
وكل امرئ يولي الجميل محبب *** وكل مكان ينبـت العـز طيـب
لو فكر العاشق في منتهـى *** حسـن الـذي يسـبيه لـم يسـبيه
بذا قضـت الأيام ما بين أهلهـا *** مصائب قوم عند قوم فوائـد
فإن قليل الحب بالعقل صالح *** وإن كثير الحب بـالجهل فاسـد
ومن يجعل الضرغام بازا لصيده *** تصيده الضرغام فيما تصيدا
ومــا مــاضي الشــباب بمسـترد *** ولا يــــوم يمـــر بمســـتعاد
فإن الجرح ينفر بعـد حـين *** إذا كان البناء عــلى فسـاد
وأسرع مفعول فعلت تغـيرا *** تكلف شـيء فـي طبـاعك ضـده
فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله *** ولا مال في الدنيا لمن قل مجده
وفي الناس من يرضى بميسور عيشه *** ومركوبه رجلاه والثوب جلده
وإذا الحلم لم يكـن في طباع *** لم يحـلم تقادم الميــلاد
وإذا كان في الأنابيب خـلف *** وقع الطيش في صـدور الصعـاد
فقـد يظن شـجاعا مـن بـه خرق *** وقد يظن جبانا مـن به زمـع
إن السلاح جميع الناس تحمله*** وليس كل ذوات المخلب السبع
وما الحسن في وجه الفتى شرف له *** إذا لم يكـن في فعله والخلائق
وجائزة دعوى المحبة والهوى *** وإن كان لا يخفى كلام المنافق
وما يوجع الحرمان من كف حارم *** كما يوجع الحرمان من كفر رازق
وإذا ما خلا الجبان بأرض *** طلب الطعن وحده والنزالا
من أطاق التماس شيء غلابا *** واغتصابا لم يلتمسه نوالا
كل غاد لحاجة يتمنى *** أن يكون المظفر الرئبالا
أبلغ ما يطلب النجاح به *** الطبع وعند التعمق الزلل